قبل أن أذهب إلى لندن كان اسم د. حسام عبدالله بالنسبة لى مجرد طبيب عالمى مشهور فى مجال علاج العقم استطاع أن يفرض اسمه فى مدينة الضباب «لندن» ليصبح اسماً يفخر به الإنجليز قبل المصريين، كانت علاقتى به من خلال الصديق جوجل، ما أن تكتب اسمه فى موقع البحث حتى تجد أبحاثاً وأوراقاً علمية من إنتاجه ومقالات عنه بعشرات الآلاف، كلها تتحدث عن حسام عبدالله، الطبيب الذى حقق حلم آلاف السيدات من جميع الجنسيات فى الإنجاب بعد أن فقدن الأمل، ولذلك كنت مصراً، خلال رحلتى إلى لندن، أن أقابله فى مستشفى ليستر حيث مملكته الطبية فى قسم علاج العقم، وهناك قابلت د. حسام عبدالله، الطبيب الذى تسكنه مصر بحواريها وشوارعها وتفاصيلها ونكاتها وقفشاتها، وحتى حزنها ودموعها.

من الظلم والإجحاف أن تتعامل مع حسام عبدالله على أنه طبيب عالمى ناجح فقط، إنه مفكر وسياسى وفيلسوف وثائر مصرى تنفع تفاصيل قصة حياته لكى تكون سيناريو فيلم مصرى مثير يلخص قصة مصر منذ ثورة ١٩٥٢ حتى ثورة يناير.

ينتمى حسام عبدالله إلى عائلة تتنفس سياسة، فالأب هو د. إبراهيم سعد الدين، المفكر الاقتصادى اليسارى الشهير، الذى علَّم أجيالاً وأجيالاً معنى الاقتصاد الاشتراكى، وواجه الرئيس السادات فى قمة عنفوانه دون أن يرتعش له جفن، ورث الابن هذه الثقافة، وفتح صدره لحراب وسهام السلطة منذ أن كان طالباً فى كلية طب القاهرة، كان يقضى نصف العام الدراسى فى ضيافة أمن الدولة، والنصف الآخر فى معتقلات السادات، ومن ضمن القصص الطريفة التى تنتمى إلى الكوميديا السوداء، قصة اعتقاله هو والوالد فى نفس البوكس، كان كل منهما مشغولاً حتى النخاع، الابن فى أصعب كلية عملية، والأب فى أصعب عمل حزبى، لكن القدر سمح لهما بالحديث الطويل والفضفضة المتبادلة داخل أروقة أمن الدولة!!

لم تكن الظروف مهيأة على الإطلاق لتخريج طبيب قادر على استكمال مستقبله الطبى فى مصر، فلو ظل مطارداً بهذه الصورة المتربصة الدموية سيركن فى كلية الطب عشرين عاماً، والأهم أنه قد تزوج من زميلته السيدة الرائعة الدكتورة مديحة الصاوى، استشارية الأطفال فى لندن الآن، والتى كانت ناشطة سياسية هى الأخرى وساهمت فى صناعة هذا الصرح الإنسانى الجميل الذى يسمى حسام عبدالله، تزوجا أثناء الدراسة ووافقت زميلة الدراسة والكفاح على السفر معه إلى العراق رغم المستقبل الباهر الذى ينتظرها كواحدة من أوائل الدفعة، وافق د. حسن حمدى، عميد الكلية، على سفرهما بسرعة راحةً من وجع الدماغ المزمن الذى يمثله هذا اليسارى المزعج.

سافر د. حسام عبدالله بعد تخرجه فى طب بغداد إلى لندن، حيث اقتحم عالم علاج العقم وتفوق فيه وبرع فى تقنياته حتى أصبح من الآباء المؤسسين لهذا العلم فى العالم، والمحاضرين الذين يشار إليهم بالبنان فى جميع المحافل العلمية التى تتحدث فى هذا المجال الطبى المعقد.

تجولت معه فى أرجاء القسم، وشاهدت كم التقدم التكنولوجى والحزم والانضباط الذى ينفذه د. حسام عبر البسمة، ومن خلال رابطة إنسانية جميلة ومتحضرة، جلست مع زوجته التى تشع دفئاً وحنواً، ومع ابنه خالد الذى اقتحم عالم هوليوود فى عدة أفلام منها KITE RUNNER وGREEN ZONE، وورث جينات الأب والجد فشارك فى ثورة يناير واعتصم فى التحرير، شاهدت دموع د. حسام الصادقة وهو يتحدث عن ثورة يناير فى التليفزيون البريطانى فأبكانى، وعرفت من خلال هذه الدموع كم هو رائع ذلك الوطن الذى لا يصيبه العقم أبداً.